وهذا دليل على أن نعمة العلم وحدها كافية في وجوب الشكر ، مستحقة للحمد والثناء على المتفضل المنعم بها. وفيه الدليل على البر بالوالدين والدعاء لهما بعد موتهما.
ومن وقائع فهم سليمان كلام النمل : ما رواه ابن أبي حاتم عن أبي الصديق الناجي قال : «خرج سليمان بن داود عليهماالسلام يستسقي ، فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها ، رافعة قوائمها إلى السماء ، وهي تقول : اللهم إنا خلق من خلقك ، ولا غنى بنا عن سقياك ، وإلا تسقنا تهلكنا ، فقال سليمان : ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم».
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآيات على ما يأتي :
١ ـ إن نعمة العلم من أجل النعم وأشرفها وأرفعها رتبة ، وإن من أوتي العلم فقد أوتي فضلا على كثير من عباد الله المؤمنين ، كما قال تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) [المجادلة ٥٨ / ١١].
٢ ـ كان إرث سليمان من والده داود عليهماالسلام هو النبوة والملك ، وليس وراثة مال ، وإلا لكان جميع أولاد داود التسعة عشر فيه سواء. والمقصود أنه صار إليه ذلك بعد موت أبيه ، فسمي ميراثا تجوزا ، كما قال صلىاللهعليهوسلم فيما رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة عن أبي الدرداء مرفوعا : «العلماء ورثة الأنبياء» أي ورثتهم في العلم والحكمة وفهم أمور الدين والدنيا على حقيقتها. ودليل ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم في الحديث المتقدم : إنا معشر الأنبياء «لا نورث».
٣ ـ تقتضي نعمة العلم وغيره شكر المنعم وحمده على فضله وإحسانه ، كما فعل داود وسليمان عليهماالسلام ، ودل قولهما على تواضع العلماء والاعتقاد بأنه وإن فضلا على كثير ، فقد فضل عليه أناس مثلهما ، وهذا مشابه لقول عمر رضياللهعنه : كل الناس أفقه من عمر.