الحد في الظلم والكفر تجاوزا بلغ أقصى الغاية ، فهم لم يجسروا على هذا القول الشنيع إلا لأنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو.
ولن يؤمنوا في الحقيقة والواقع ، كما قال تعالى في آية أخرى : (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ ، وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى ، وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ، ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الأنعام ٦ / ١١١].
ثم أخبر الله تعالى مهددا عن حال رؤيتهم الملائكة ، فقال :
(يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ ، لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ ، وَيَقُولُونَ : حِجْراً مَحْجُوراً) أي هم لا يرون الملائكة في حال خير ، وإنما في حال شر وسوء ، فإنهم سيرونهم عند الموت أو يوم القيامة قائلين لهم : لا بشرى لهم بخير ، ولا مرحبا بهم ، وتبشرهم الملائكة بالنار وغضب الجبار ، وتقول لهم : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ، الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ، وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) [الأنعام ٦ / ٩٣].
ويقول الكفار : حجرا محجورا ، أي استعاذة وطلبا من الله أن يمنع عنهم الخطر والضرر ، والمقصود أنهم يتعوذون من الملائكة. قال ابن كثير : وهذا القول ، وإن كان له مأخذ ووجه ، ولكنه بالنسبة إلى السياق بعيد ، لا سيما وقد نص الجمهور على خلافه. وإنما هذا من قول الملائكة لهم ، يراد به : حرام محرم عليكم البشرى بالمغفرة والجنة ، وبما يبشر به المتقون ، وحرام محرم عليكم الفلاح اليوم.
وهذا بخلاف حال المؤمنين وقت احتضارهم ، فإنهم يبشرون بالخيرات ، وحصول المسرات ؛ قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا : رَبُّنَا اللهُ ، ثُمَّ اسْتَقامُوا ، تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا ، وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ، نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ، وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ، وَلَكُمْ فِيها