ما تَدَّعُونَ ، نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت ٤١ / ٣٠ ـ ٣٢] وفي الحديث الصحيح عن البراء بن عازب : «إن الملائكة تقول لروح المؤمن : اخرجي أيتها النفس الطيبة في الجسد الطيب ، إن كنت تعمرينه ، اخرجي إلى روح وريحان ، وربّ غير غضبان».
ثم أخبر الله تعالى عن إحباط أعمال الكفار الخيرية التي كانوا يعتزون بها في الدنيا كالإكرام والصدقة وفك الأسير وإنقاذ الملهوف وحماية المستجير وخدمة البيت الحرام والحجيج ، فقال :
(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) أي قصدنا يوم القيامة إلى محاسن أعمال هؤلاء الكفار في الدنيا ، حين حساب العباد على ما عملوه من الخير والشر ، تلك الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم ، كالتي ذكرت ، فجعلناها مبددة لا نفع فيها ولا خير كالغبار المتناثر الذي لا جدوى فيه ولا فائدة ، لفقد الشرط الشرعي لقبولها وهو إما الإخلاص فيها لله ، وإما المتابعة لشرع الله ، فكل عمل لا يكون خالصا لوجه الله الكريم ، وليس على منهج الشريعة المرضية لله ، فهو باطل ، وأعمال الكفار تفقد أحد الشرطين أو كليهما ، فتكون أبعد عن القبول.
ثم قارن الله تعالى حال هؤلاء الكفار بحال المؤمنين فقال :
(أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) أي إن حال أهل الجنة خير مأوى ومنزلا ، وأتم استقرارا ، وأفضل راحة من حال المشركين في النار. والمستقر : مكان الاستقرار ، والمقيل : زمان القيلولة. وهذا إشارة إلى أنهم من المكان في أحسن مكان ، ومن الزمان في أطيب زمان. وبما أنه لا خير في النار ، فيكون المراد من قوله تعالى : (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ..) هو ما أريد من قوله : (أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ) وهو التقريع والتوبيخ ، كما إذا أعطى السيد خادمه