الكفر الذي يصر أهله على تدليس الحقائق وطمس الفضائل ، وهم في أصائل قلوبهم يرون الحقيقة ويظهرون غيرها ، بدليل قولهم الآتي : (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) أي قارب محمد أن يثنيهم عن عبادة الأصنام ، ويحملهم على ترك دينهم إلى دين الإسلام ، لو لا أن صبروا وتجلدوا واستمروا على ما هم عليه ، وتمسكوا بالوثنية والأسطورة والخرافة التي لا يقبل بها عاقل رشيد.
وفي هذا دلالة واضحة على تناقضهم وإظهارهم خلاف ما يعتقدون من الحقيقة ؛ لأنهم عرفوا محمدا الصادق الأمين الراجح العقل في غضون أربعين عاما من العمر قبل النبوة ، ولم يوجهوا له يوما ما أي طعن أو نقد ، وإنما على العكس كان محل احترام وإجلال من جميع قومه ، كما هو معروف.
ثم إن في هذا القول اعترافا ضمنيا بقوة تأثير محمد صلىاللهعليهوسلم فيهم ، بدعوتهم إلى التوحيد ونبذ عبادة الأصنام ؛ بحجج بالغة وأدلة دامغة ، حتى إنهم شارفوا مفارقة دينهم إلى الإسلام ، لو لا المكابرة والعناد والاستكبار والغلو ، فراحوا يقولون بأن صنيعه إضلال.
وبعد أن حكى الله تعالى كلامهم زيّف طريقتهم وسفه آراءهم من وجوه ثلاثة :
الأول :
(وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً) هذا وعيد شديد لهم وتهديد على التعامي عن الحق والإعراض عن الاستدلال والنظر ، وعلى وصفهم له بالإضلال ، فإنهم حين يشاهدون العذاب الذي لا مفرّ لهم منه يدركون من أخطأ طريقا ، أهم أم المؤمنون وهو صلىاللهعليهوسلم قائدهم ، ومن الضّال ومن المضلّ؟
الثاني :
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ، أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) وهذا تنبيه على