بالتسوية ، ثم نهى عن الطغيان الذي هو مجاوزة الحدّ بالزيادة ، ثم نهى عن الخسران الذي هو النقص والبخس.
ثم ذكر نعمته في الأرض مقابل السماء ، فقال :
(وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) أي إنه تعالى كما رفع السماء ، وضع الأرض ومهدها وبسطها لينتفع بها ، وأرساها بالجبال الراسخات الراسيات ليستقر الأنام على وجهها ، وهم الخلائق المختلفة الأنواع والألوان والأجناس والألسنة في سائر الأقطار ، ثم أبان تعالى طرق معايش الناس فيها ، فقال :
(فِيها فاكِهَةٌ ، وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ ، وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) أي إن في الأرض كل ما يتفكه به من أنواع الثمار المختلفة الألوان والطعوم والروائح ، وأشجار النخيل ذات أوعية الطلع الذي يتحول بعدئذ إلى تمر ، وجميع ما يقتات من الحبوب كالحنطة والشعير والذرة ونحوها ، ذات العصف وهو بقل الزرع : وهو أول ما ينبت منه ، أو هو التبن ، وكل مشموم من النبات ذي الورق الذي تطيب رائحته. وتنكير كلمة الفاكهة وتعريف النخل ، لأن الفاكهة تكون في بعض الأزمان وعند بعض الأشخاص ، أما ثمر النخيل فهو قوت محتاج إليه في كل زمان متداول في كل حين وأوان وعند جميع الأشخاص.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ؟) أي فبأي النعم المتقدمة تكذبان يا معشر الجن والإنس. فالخطاب مع الثقلين : الإنس والجن. وقد عرفنا أن هذه الآية كررت في السورة إحدى وثلاثين مرة بعد كل خصلة من النعم ، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين ، لتأكيد التذكير بالنعم ، ولتقريرهم بها ، وللتنبيه على أهميتها ، والنعم محصورة في دفع المكروه وتحصيل المقصود. وقوله : (رَبِّكُما) لبيان أن مصدر هذه النعم من الله المربي الذي يتعهد عباده بالتربية والتنمية ، فيكون هو الجدير بالحمد والشكر على ما أنعم.