(فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي في الجنتين من كل نوع يتفكه به ومن جميع أنواع الثمار صنفان ونوعان ، يستلذ بكل نوع منهما ، أحدهما رطب والآخر يابس ، لا يتميز أحدهما عن الآخر في الفضل والطيب خلافا لثمار الدنيا ، بل فيهما مما يعلم وخير مما يعلم ، مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. فبأي شيء من هذه النعم تكذبان يا إنس ويا جن؟ قال ابن عباس : ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء ، يعني أن بين ذلك بونا عظيما ، وفرقا واضحا.
وبعد ذكر الطعام ذكر الفراش ، فقال :
(مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ، وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي إن أهل الجنة يضطجعون ويجلسون ويتنعمون على فرش بطائنها (وهي التي تحت الظهائر) من إستبرق (وهو ما غلظ من الديباج ، أو الديباج الثخين) قال ابن مسعود وأبو هريرة : هذه البطائن ، فكيف لو رأيتم الظواهر؟ وقيل لسعيد بن جبير : البطائن من إستبرق ، فما الظواهر؟ قال : هذا مما قال الله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة ٣٢ / ١٧]. وقال ابن عباس : إنما وصف لكم بطائنها لتهتدي إليه قلوبكم ، فأما الظواهر فلا يعلمها إلا الله.
وثمر الجنتين قريب التناول منهم متى شاؤوا وعلى أي صفة كانوا ، كما قال تعالى : (قُطُوفُها دانِيَةٌ) [الحاقة ٦٩ / ٢٣] وقال سبحانه : (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) [الإنسان ٧٦ / ١٤] أي لا تمتنع ممن تناولها ، بل تميل إليه من أغصانها. فبأي شيء من هذه النعم يحصل التكذيب والإنكار؟! ثم ذكر تعالى أوصاف الحور والنساء ، فقال :
(فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما