[يس ٣٦ / ٧٩] ، وقال عزّ اسمه : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً! أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى؟ ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ : الذَّكَرَ وَالْأُنْثى ، أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى؟) [القيامة ٧٥ / ٣٦ ـ ٤٠].
وهذا دليل الحشر وتقرير النشأة الثانية ، بالتذكير بالنشأة الأولى ، ليكون تذكيرا بعد تذكير.
ثم ذكر الله تعالى دليلا آخر على قدرته ، مع الاستدلال على كمال عنايته ورحمته ببريته ، فقال :
(أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) أي أخبروني عما تحرثون أو تقلبون من أرضكم ، فتطرحون فيه البذر ، والحرث : شق الأرض وإلقاء البذر فيها ، أأنتم تنبتونه وتجعلونه زرعا بحيث يكون نباتا كاملا يكون فيه السنبل والحب ، بل نحن الذي ننبته في الأرض ونصيره زرعا تاما؟ كان حجر المنذري إذا قرأ : (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) وأمثالها يقول : بل أنت يا ربّ.
وهذا دليل الرزق الذي بالبقاء بعد ذكر دليل الخلق الذي به الابتداء ، وفيه أمور ثلاثة : المأكول المذكور هنا أولا ، لأنه هو الغذاء ، ثم ذكر المشروب ، لأن به الاستمراء ، ثم النار التي بها الإصلاح.
(لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً ، فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ، إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ، بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا وأبقيناه لكم رحمة بكم ، ولو نشاء لأيبسناه ، وجعلناه متحطما متكسرا لا ينتفع به قبل استوائه واستحصاده ، ولا يحصل منه حب ولا شيء آخر يطلب من الحرث ، فصرتم تعجبون من سوء حاله وما نزل به ، قائلين : إننا لخاسرون مغرمون ، والمغرم : الذي ذهب ماله بغير عوض ، أو إننا لهالكون هلاك أرزقنا ، بل إننا حرمنا رزقنا بهلاك