(نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) أي نحن جعلنا هذه النار تذكركم حر نار جهنم الكبرى ، ليتعظ بها المؤمن ، ونفعا للمسافرين وأهل البادية النازلين في الأراضي المقفرة.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النّبي صلىاللهعليهوسلم قال : «نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم» فقالوا : يا رسول الله ، إن كانت لكافية فقال : «إنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءا».
وخصص المقوون ، أي المسافرون بالذكر ، لشدة حاجتهم إلى النار ، وإن كان ذلك عاما في حق الناس كلهم ، لما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن رجل من المهاجرين من قرن أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «المسلمون شركاء في ثلاثة : النار ، والكلأ ، والماء».
(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) أي نزّه ربّك العظيم الذي بقدرته خلق هذه الأشياء المختلفة المتضادة ، فخلق الماء الزلال العذب البارد ، ولو شاء لجعله ملحا أجاجا كالبحار والمحيطات ، وخلق النار المحرقة ، وجعل ذلك مصلحة للعباد ومنفعة لهم في معاشهم ، وزجرا لهم في المعاد. وفائدة هذا أنه تعالى لما ذكر حال المكذبين بالحشر والوحدانية ، وذكر الدليل عليهما بالخلق والرزق ، ولم يفدهم الإيمان ، أمر الله نبيّه بأن يعنى بوظيفته وهي إكمال نفسه ، بعلمه بربّه ، وعمله لربّه.
فقه الحياة أو الأحكام :
أثبت الله تعالى قدرته على البعث والحشر والنشر بدليلين هنا : دليل الخلق ، ودليل الرزق.
أما دليل ابتداء الخلق : فيشمل خلق الذوات وخلق الصفات ، أما خلق الذوات فهو النشأة الأولى بالخلق من النطفة ، ثم من العلقة ، ثم من المضغة ، دون أن نكون شيئا ، من طريق التزاوج بين الذكر والأنثى ، والتقاء نطفتي الرجل