فإنما المستدعاة هنا هي صراط المنعم عليهم ، دون المغضوب عليهم الذين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (٢٧ : ١٤) يعرفون الحق ثم يحيدون عنه كأنهم لا يعرفون ، أو يعرفونه باطلا ، ودون الذين ضلوا عن الحق قاصرين او مقصرين فلم يهتدوا إليه.
ولأن الهدى هي الروحية ، والصراط الحق المستقيم هنا هو الموصل إلى حقها وحاقّها ، وأن نعم الدنيا تعم المغضوب عليهم والضالين ، إذا ف (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) تعني النعمة القمّة الروحية ، ولأنها لم تقيّد هنا بقسم دون آخر ، فهي مطلق النعم السابغة الروحية.
من الصورة الإنسانية جسرا إلى كل نعمة ، والايمان والاعتصام بالله في صحبة العبودية الصالحة ، والإسلام لله وتوحيده على ضوء كتاب الشّرعة وسنة رسولها ، وأفضل النماذج السابقة السابغة للمنعم عليهم ـ على مختلف درجاتهم ـ هم : النبيون والصديقون والشهداء والصالحون : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ... وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً. وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً. وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً. وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) (٤ : ٧٠).
هنا نجد القمّة العليا بين المنعم عليهم وهو الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن يطع الله والرسول فأولئك مع هؤلاء المنعم عليهم في تلك الطاعة مهما اختلفت المرتبة وكما هم درجات ، النبيون أعلاهم والصالحون أدناهم ، والصديقون والشهداء أوسطهم ، وهم كلهم برفاقهم المطيعين لله والرسول ، عائشون تحت ظل ظليل من هذا الرسول العظيم ،