ومناهل لا يفيضها الواردون ، ومنازل لا يضل نهجها المسافرون ، وأعلام لا يعمى عنها السائرون ، وآكام لا يجوز عنها القاصدون ، جعله الله ريّا لعطش العلماء ، وربيعا لقلوب الفقهاء ، ومحاجّا لطرق الصلحاء ، ودواء ليس بعده داء ، ونورا ليس معه ظلمة ، وحبلا وثيقا عروته ، ومعقلا منيعا ذروته ، وعزا لمن تولاه ، وسلما لمن دخله ، وهدى لمن ائتم به ، وعذرا لمن انتحله ، وبرهانا لمن تكلم به ، وشاهدا لمن خاصم به ، وفلجا لمن حاجّ به ، وحاملا لمن حمله ، ومطيّة لمن أعمله ، وآية لمن توسم ، وجنّة لمن استلأم ، وعلما لمن وعى ، وحديثا لمن روى ، وحكما لمن قضى» (١).
وهو بيان ما قبلكم من خبر ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من وليه من جبار فعمل بغيره قصمه الله ، ومن التمس الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم. لا تزيغه الاهوية ، ولا تلبسه الأقضية ، ولا يخلق على الرد ، ولا ينقضي عجائبه ، ولا يشبع منه العلماء ، هو الذي لم تلبث الجن إذ سمعته أن قالوا : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم ، هو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (٢).
__________________
(١) مما يروى عن علي امير المؤمنين من غزير كلامه حول القرآن (نهج البلاغة). الخطبة ١٩٣ ص ٢٢ ـ عبده.
(٢) تفسير العياشي باسناده عن الحارث الأعور قال دخلت على امير المؤمنين (عليه السلام) فقلت يا امير المؤمنين! انا إذا كنا عندك سمعنا الذي نسد به ديننا وإذا خرجنا من عندك سمعنا أشياء مختلفة مغموسة ولا ندري ما هي ـ قال : أوقد فعلوها؟ قال : قلت : نعم قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول اتاني جبرئيل فقال يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)! ستكون في أمتك فتنة ـ قلت : فما المخرج منها؟ فقال : كتاب الله فيه ..