(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) :
والإيمان هو أن تجعل نفسك في أمن وطمأنينة ، ولأن الحياة الدنيا وزخارفها متغيرة فانية ، فالإيمان بها زيادة في تزعزع واضطراب ، وأمّا غيب الألوهية واليوم الآخر والوحي ، فالإيمان بها يؤمن الإنسان ويطمئنه عن الهزائز : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)! .. يؤمنون بالغيب : «بما غاب عن حواسهم من الأمور التي يلزمهم الإيمان بها كالبعث والحساب والجنة والنار وتوحيد الله وسائر ما لا يعرف بالمشاهدة وإنما يعرف بدلائل قد نصبها الله تعالى دلائل عليها.» (١).
والايمان بما غاب عن الإحساس الحيواني هو من ميّزات الإنسان عن سائر الحيوان ، فإنه ممتاز بالعقل بعد الحس ، ما به يعقل ما يقصر عنه الحس.
إن العقل والحس يتعاملان في تصديق الغائب عن الإحساس كما يتعاملان في العلوم التجريبية ايضا ، فلا مجرد الإحساس يكفي ، وحتى للعلم بالمحسوس ، ولا مجرد العقل يكفي وحتى لتصديق الغائب عن الإحساس إلّا قليلا.
فحصر الإدراكات بوسائل الحس فقط تفريط ، كما أن حصرها بالعقل فقط إفراط ، ولذلك نرى الآيات تجمع بين العقل والحس في تعامل دائب في الإيمان بالغيب ، مستدلة بالآيات الآفاقية الحسية ، والأنفسية غير الحسية : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٤١ : ٥٣).
__________________
(١) البرهان ١ : ٥٦ عن تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام).