إن السوفسطائيين الناكرين لوجود العلم ـ سواء عن طريق العقل او الحس ـ ينكرون وحتى أنفسهم ، وترى أليس إنكارهم أنفسهم علما فكيف أنكروه؟ أو أنه جهل ـ إذا ـ فخلافه وهو إدراكهم أنفسهم علم!.
كذلك الحسيون أنكروا أيّ سناد إلى العقل ، ثم وهم يسندون في نكرانهم إلى دليل العقل!
ثم العقليون يعتمدون فقط إلى العقليات ، ومن المستحيل إلّا قليلا أن تنتج العقليات الصرفة ـ دون أيّ سناد إلى الحس ـ ما يصدّقه الإنسان!
ولكنما الإلهيون المعتدلون هم الأمة الوسطى ، إذ يجمعون بين العقل والحس ، مهما كان العقل إمام الحس والحس أمامه ، وكما يقول الإمام الصادق : «العقول أئمة القلوب والقلوب أئمة الأفكار والأفكار أئمة الحواس والحواس أئمة الأعضاء»!
فالإيمان بالغيب هو العتبة التي يجتازها الإنسان فيتخطّى رتبة الحيوانية الحسية إلى درجة الإنسانية العائشة العقل مع الحس ، نقلة بعيدة التأثير في تصور الإنسان لحقيقة الوجود ، وتصديقه للوجود الحق ، كما هي بعيدة في حياته الأرضية ، إذ يرى نفسه في رباط دائم بالوجود اللّانهائي وراء هذا الكون : المكوّن لهذا الكون ، فينظّم حياته صالحة كما يرضاه خالق الكون.
ثم النص (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) لا «يدركون الغيب» او «يحيطون علما بالغيب» حيث الغيب منه ما لا يدرك نهائيا كغيب الذات الإلهيّة وصفاته الذاتية وأفعاله ، وكغيب الوحي ، اللهم بآيات محسوسات أو معقولات تدل عليه ، او الوحي لأصحابه الخصوص.
ومنه ما يدرك في اليوم الآخر كاليوم الآخر والملائكة أم ماذا ، ولكنه لا يدرك يوم الدنيا ، فلا سبيل إليها إلّا إيمانا وتصديقا.