فهناك مرضان اثنان كلاهما في القلوب : ١ ـ (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ـ ٢ ـ (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ـ) ومن ثم (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) :
وطالما المرض الأول أجمل عن فاعله ، ففاعل الثاني «الله» فهل (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) بالمرض الاول ، ام وبالثاني ايضا ، او (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) هنا وهناك حصيلة المرض ، ونفاقا في دعوى الإيمان؟
المرض الأوّل هو مرض الكفر والعناد للحق بما كانوا يكسبون ، والثاني هو ازدياد الاوّل منذ بزوغ الرسالة الإسلامية تداوما فيه ونتاجا عنه كما توحيه الفاء : فزادهم .. فرغم انهم كانوا يأملون لهم زعامات في الجزيرة ، ويعملون لإزالة عقباتها وتعبيد طريقها ، إذ فاجأتهم الدعوة الإسلامية ، فأخرجت شطأها فآزرها فاستوت على سوقها يعجب الزارع ليغيظ بهم الكفار ، منذ العهد المدني بعد ما أصيبت بجوارف الإصابات في العهد المكي.
إن ذلك الازدهار والتقدم في الدعوة زاد في مرضهم ، فهذه الزيادة هي منهم إذ انفرجت زاويته لمّا انفجرت الدعوة ، حسدا من عند أنفسهم.
وهي من عند الله إذ بعث صاحب هذه الدعوة ، ولم يكن من الله إلّا كلّ خير ورحمة ، ولكنهم لمرضهم بدّلوه الى كل شر ونقمة : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) مرضا الى مرض ورجسا الى رجس : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (٩ : ١٢٥) فان دعاء الكافر المعاند لا يزيد إلّا فرارا : (إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً