(وَإِذا قِيلَ) : قيل إلهي بلسان النبي او المؤمنين المصلحين الذين يحق لهم نهي المفسدين ـ قيل لهؤلاء المنافقين : (لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) وقولة فارغة جوفاء منهم : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) ثم فضيحة لهم عالمية في إذاعة قرآنية : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ)!
وهكذا يكون دوما دور المنافقين في كلّ عصر ومصر أنهم يحسبون أنفسهم من المصلحين ، وغيرهم مفسدين ، حيث الموازين مختلة عندهم ، فإنها تتأرجح مع أهوائهم الذاتية ، بعيدة عن الواقع والميزان الرباني ، او الإنساني.
إنهم يحسبون المكر والخداع شطارة ولباقة ، سياسة يتذرعونها الى ما يهوون ، فان الغاية عندهم تبرّر الوسيلة ، ولأن الأصل من الحياة عندهم حيوانيتها وشهواتها ، والوصول الى بغيتهم ومصالحهم الشخصية ، او الجماعية التي تبوء إليها ، يحسبونها إصلاحها وفلاحها ، لذلك يعدّون فسادهم صلاحا وإفسادهم إصلاحا : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) : لا شغل لنا إلّا الإصلاح ، وهم صادقون في إصلاح حيونة الحياة لهم ، وكاذبون في إنسانيتها وقيمها وقوامها.
إنهم يتبجهون بثرواتهم ونزواتهم ، طنطناتهم وعربداتهم ، زهواتهم وزهزاتهم ، وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) فقط ـ كأن لا مفسد سواهم ، إذ ينافقون دوما ولا يوافقون ، (وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) أنهم هم المفسدون ، حيث رأوا الصلاح فسادا ، والفساد صلاحا : «ولكنه أخلد إلى الأرض هواه وكان امره فرطا».
إنهم لا شغل لهم إلّا الإفساد : في الحرث والنسل ، في الثقافة والعقيدة ، في الإقتصاد والسياسة ، وفي كافة الحقول الحيوية ، محتلّين ساحاتها ، طاردين أصحابها ، متدخلين في كل رطب ويابس وهم يحسبون