بصيرته عميت سيرته ، وشملته حيرته ، يعيش محتارا ، يتخبط في مشيته ويمشي مكبّا على وجهه.
وما أورع استهزاء الله وأروعه بهؤلاء الهزالى التائهين ، حيث يدعهم يتخبطون على غير هدى ، في طريق ضلت غايته ، وفي النهاية تتلقفهم اليد الجبارة ، أخذ عزيز مقتدر ، حيث تواثبوا في فخّهم بذات أيديهم كالفئران الغافلة عن المقبض المكين!
٧ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١٦).
باب سابع من أبواب جحيم المنافقين هو الدرك الأسفل حيث تتشعب عنه الأبواب الستة السابقة «اشتراء الضلالة بالهدى»!
وترى متى كانوا على «الهدى» حتى يشتروا «الضلالة» بها ، والتجارة بحاجة الى رأس مال هو هنا الهدى وهم فاقدوها؟!
أقول : إن رءوس أموالهم هنا في معترك تجارة الضلالة والهدى ، هي العقول والفطر ، حيث الفطرة كما فطرها الله منطلقة الى الهدى ، إلى الدين حنيفا : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣٠ : ٣٠).
كما والعقول من شؤونها الأولية ان تعقل أحكام الفطر ، المنبثقة من أعماقها بما فطر الله ، ولكن «إنارة العقل مكسوف بطوع الهوى»! ثم الهدايات الإلهية التي تترى لهم وتتوارد ، مؤيدة مكملة للفطر والعقول ، هي الزاوية الثالثة من مثلث الهدى التي يملكونها ، ولكن هم رغم الهداية المثلثة باعوها واشتروا الضلالة (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) : كيف يتاجرون إذ استبدلوا الأركس الأدنى بما أمكنهم من الغالية