الأعلى! ف (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) (٢ : ٨٦) وقد كانوا يملكون الحياة الآخرة بما ملّكوا من أسبابها ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (٢ : ١٧٥) و (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٣ : ١٧٧)!
ف «أولئك» المنافقون هم (الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) : الدنيا والعذاب بشهواتها ولهواتها «بالهدى» : هدى العقول والفطر وهدى الأنبياء ، فالمغفرة والأخرى (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) فقد خسرت ، حيث التجارة بين ربح وخسران ، وهم خسروا عقولهم وفطرهم وخسروا أنبياءهم ف : (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٦ : ١٢) حيث خفت موازينهم في إنسانيتهم : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) (٢٣ : ١٠٣) (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ)! (٥٨ : ١٩) (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) : ما هي التجارة الرابحة ، فلم يكونوا ليهتدوا منذ كانوا حيث انحرفوا عنها مبصرين ، وانجرفوا في ضلالهم عمهين! ولكنهم استبدلوا الغي بالرشاد ، والكفر بالايمان فخسرت صفقتهم ولم تربح تجارتهم.
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (١٨) :
هذا والمثل الذي يتلوه لا بد وأن يمثّل حالات المنافقين المسرودة من ذي قبل ، جامعة لأصل النفاق.
فكما الذي يستوقد نارا ليستفيد من نورها ويضر بنارها ، ترى لو ذهب