نورها وبقيت نارها بحرّها ، فلا يبصر وقد يحرق هو بما أوقد :
كذلك المنافقون ، فنفاقهم نار موقدة ليستضيئوا بنور الإسلام ويحرقوا المؤمنين بنار النفاق (فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ) حيث استفادوا قليلا ، فعمر الدنيا قليل بجنب الآخرة ولو عمّروها كلها ، كيف وهم لا يعمّرون منها إلّا قليلا (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) حيث يفضحهم هنا فلا نور به يستضيئون كما يذهب به يوم يقوم الأشهاد ، إذ لم يبق من نور إسلامهم ولا ظاهر مدعى (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) فلم يبق هنا وهناك إلّا نار مظلمة بلا نور ، فنار الجحيم لا نور فيها ، وكذلك نار الفضيحة هنا!
ويا له من مثل يمثّل حقيقة حالهم هنا ومآلهم هناك ، إن النفاق نار مظلمة تحرقهم في ظلماتها يوم الدنيا ويوم الدين ، وهم ليسوا ليستفيدوا من نورها إلّا ظاهرا ضئيلا مؤقتا يوم الدنيا ، ثم لا يطول إلا قليلا وقد (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) :
(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) : «صمّ» وهم يسمعون إذ عطلوا آذانهم الإنسانية عن سماع الحق «بكم» وهم ينطقون إذ عطلوا ألسنتهم عن كلام الحق «عمّى» وهم يبصرون إذ غطوا أعينهم عن مشاهدة الحق (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) إلى الحق : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (٧ : ١٧٩).
ومن لطيف الأمر في تمثيلات القرآن أنها كلها حقائق بعيدة عن التخيلات والأوهام ، لحدّ نراها تقحم في ممثلاتها كما هنا :
يبتدء المثل ب (الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ..) وهو فرد ، ثم ينتهي عند الاستنتاج إلى الممثل نفسه وهو جمع : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي