والذين من قبلكم لتعبدوه فتتقوه! حيث تختلفان سببا ومسببا! كما (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١).
ولان مطلق العبادة لا تنتج التقوى وإنما العبادة المطلقة الخالصة هي التي تنتجها ، فلا تترتب التقوى على مطلق العبادة ، لذلك : (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ... لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فرجاء اتقاء المحاظير في حظيرة العبودية واقعة على أية حال ، وواقع الاتقاء في حق العبودية لحضرة الربوبية لا محالة كائن.
فلأن العبادة المعنيّة هنا من الناس ليست هي المطلقة الخاصة بالمتقين ، لذلك لا مجال لها إلّا رجاء التقوى ، وحتى بالنسبة لحق العبادة المنتجة لحق التقوى ، هنا كذلك مجال لتقوى أعلى ، فقد تكون الرجاء لأصل التقوى كما للبدائيين في عبادة الله ، وأخرى هي لدرجاتها صاعدة الى أعلى فأعلى كما للمتوسطين والرعيل الأعلى.
فكما العبادة درجات كذلك التقوى الناتجة عنها درجات : طبقا عن
__________________
ـ حيث أمركم ان تعتقدوا أن لا اله الا الله وحده لا شريك له ولا شبيه له ولا مثل له ، عدل لا يجور ، جواد لا يبخل ، حليم لا يعجل ، حكيم لا يعجل ، وان محمدا عبده ورسوله ... ثم قال : اعبدوا الذي خلقكم من نطفة من ماء مهين ، فجعله في قرار مكين الى قدر معلوم ... والذين من قبلكم من سائر اصناف الناس «لعلكم تتقون ـ قال (عليه السلام) : لها وجهان :
أحدهما : وخلق الذين من قبلكم لعلكم كلكم تتقون ـ اي لتتقوا كما قال الله : وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ـ
والوجه الآخر : اعبدوا الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ـ اي : اعبدوا لعلكم تتقون النار ، ولعل من الله واجب لأنه أكرم من ان يعني عبده الى منفعة ويطمعه في فضله ثم يخيبه» أقول : يعني رجاءه في موقعه بلا خيبة لا ان التقوى حاصلة بالعبادة على اية حال.
(١) نجد التقوى في كثير من الآيات جعلت نتيجة التقوى رجاء ام واقعا.