فلا نجد في القرآن بأسره إضلالا ظالما إلهيّا مسيّرا للضلال! فالناس في مجال الهداية الإلهية على ضروب :
١ ـ منهم من يقبل الهدى إذ يعرفها فيصدقها ، فيزيده الله هدى على هدى : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) (١٩ : ٧٦).
٢ ـ ومنهم المستضعف الحائر الذي لا يجد حيلة ولا يهتدي سبيلا ، فأولئك قد يهديهم الله او قد يعاملهم في الآخرة بالحسنى إذ كانوا قاصرين : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) (٤ : ٩٩).
٣ ـ ومنهم من يعرف الحق ويعانده فهل على الله أن يجبره على الهدى؟ : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٦ : ٩) (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (٣٢ : ١٣) كلّا! إنه الإختيار في كلّ من الضلالة والهدى ، ثم لكلّ زيادة جزاء وفاقا.
فآيات الإختيار في قبول الضلالة والهدى هي رأس الزاوية في مثلث الهدى ، تثبت التخيير وتنفي التسيير ، وتكملة البحث تترى في طيّات آيات الضلالة والهدى.
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٨).
سؤال استنكار وتقبيح بمن يكفرون بالله ، وهذه التنقلات المقصودة من موت الى حياة ثم موت وثم حياة تدل على فاعل عليم حكيم ، فكل تطوّر بحاجة الى مطوّر ، فإذا كان مقصودا حكيما فليكن المطوّر قاصدا حكيما ، وهكذا تطورات الموت والحياة منذ البدء حتى الختام.