فمهما أنكر الكفار الحياة بعد الموت ، لم يهد لهم نكران الموت الأوّل ثم الإحياء عنه ثم الإماتة ، مما يكفي دليلا على وجود قدرة عليمة خلاقة حكيمة واحدة ، وان له الإحياء مرة اخرى كما أحيى في الاولى ، فحجة الاستنكار هنا تشمل كافة المكلفين : ماديين ومشركين ، وكتابين وموحدين : الناكرين منهم ليوم الدين!
ولأن الخطاب هنا موجّه الى الناس الأحياء ، فليكن الموت فيه قبل الإحياء ، لا موتا عما هم فيه من الحياة الإنسانية ولا أيّة حياة ، فقد كنا أمواتا إذ كنا أجنّة في بطون أمهاتنا ، وقبل خلق الروح الإنسانية فينا مهما كنا أحياء بالروح النباتية ، وبعض من الحيوانية ، حتى أتى دور الحياة الإنسانية بما أنشأ الله فينا خلقا آخر : «فأحياكم» للحياة الدنيا دون فصل ، بعد ما تهيأ الجنين لتقبّل الروح الإنساني وكما توحيه «ف» حيث تلمح بعدم الفصل.
(ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) بعد فصل فيه تعمرون ، يميتكم عن الحياة الدنيا ـ وثم ماذا؟ ، (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) فهل للحياة البرزخية ، حيث بعدها : (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)؟ فإن الرجوع الى الله هو الحياة الأخرى! علّه نعم ـ : لمكان الرجوع هنا ، وللآية الأخرى : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا (١) بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (٤٠ : ١١) حيث الإحياء الاوّل هو ـ فقط ـ عن الموت الاوّل كما هنا ، فالإحياء الثاني هو عن الموت الثاني نتيجة الإماتة الاولى ، ثم لا معنى للإماتة الثانية إلّا انها عن حياة ثانية تتوسط الحياتين : الأولى والأخرى ، وهي الحياة البرزخية ، فكما الإماتة الأولى إفناء للحياة الاولى فلتكن الثانية ايضا إفناء عن حياة مّا ثم الإحياء الثاني هو للحياة الأخرى.
وهذا اعتراف من جماعة أهل النار بإماتتين وإحيائين وهم في النار ،