بعد إذ كانوا لكلّ منها ناكرين : (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) (٤٤ : ٣٥) إذ حصروا الموت بما عن الحياة الدنيا كما حصروا الحياة بها ، فلا حياة بعدها وكما لا موت بعد الموتة الاولى! واعتراف اهل النار وهم في النار ، بما أنكروه يوم الدنيا ، دونما ردّ عليهم ، إنه مصدّق كواقع ، حيث المتناقضان لا يجتمعان والقرآن بيان دون إجمال او تقرير لضلال!
والترتيب الواقعي بين الإماتتين والإحيائين ، احياء عن الموت الأوّل ، ثم إماتة عنها ، ثم إماتة عن حياة تعيش هذه الإماتة ، فإحياء الى الحياة الأخرى ، فلولا الحياة البرزخية لم تكن هناك إماتة ثانية.
محالة الحياة البرزخية هي موت عن الحياة الدنيا ـ وليست موتا مطلقا ـ بل هي حياة مّا ـ تقبل الإماتة ثم الإحياء للحياة الأخرى.
ثم وعلّه لا! حيث الحياة البرزخية لا تحتاج الى إحياء ، فانها حاصلة في الحياة الدنيا وفي الموت عنها ، وهي بقاء الروح في البدن المثالي البرزخي ، فلا تعني الإماتة عن الحياة الدنيا إلّا انفصال الروح ببدنه المثالي عن هذا البدن نهائيا ، فتبقى ما تبقى من اصل الحياة برزخيا دونما حاجة الى إحياء.
لذلك لا تجد مصارحة قرآنية بإحياء برزخي ، وإنما الحياة والحياة فقط دونما إحياء!
ثم إنّ الرجوع الى الله بعد الإحياء الثاني لا يخص الحياة الاخرى بعد الموت ، حتى يخص هذا الإحياء بما بين الاولى والأخرى ، بل هو يعمها وما بعدها من رجوع الحساب فالثواب والعقاب : كما (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٣٠ : ١١) (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)