حتى القيامة الكبرى.
«خلق لكم» : كل أنسال الناس ـ النسل الأخير ـ الناس زمن الخطاب حتى القيامة ـ فان هذا الخطاب ـ وكثير مثله ـ يوّجه على غرار القضايا الحقيقية ، الشاملة للناس ايّا كانوا وأيّان.
(خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) : خلق لكم جميعا ـ ما في الأرض جميعا ، فهو في ازدواجية الجمع ، فكما الأرض بما فيها جميعا خلق لكم ، كذلك هي لكم جميعا.
وها هما قاعدتان فقهيتان من أعمها وأهمها في التشريع الإسلامي : أصالة الإباحة في جميع الأشياء ، وأصالة الاشتراك فيها.
ف (ما فِي الْأَرْضِ) يشملها وما في ظهرها وبطنها وما في جوّها ، جمعا لما في الأرض الى الأرض ، حيث «في» تعني الظرف ، فظرف الأرض بمظروفها : بكل حواياها وزواياها ، بكل أبعادها ـ ما صدق الأرض وما فيها ـ إنها جميعا خلقت لنا جميعا.
وبما ان «لكم» تفيد الانتفاع ، فهنا الغاية من خلق الأرض وما فيها أن ننتفع بها كما نشاء بما نشاء وحيث نشاء وأنّى ، حتى يأتينا من الله حظر في : كيف ننتفع ومتى وأنّى وممّا؟ وهي أصالة الإباحة في كافة التصرفات والانتفاعات ، ولكنها تلميحة كتصريحه أن هذه التصرفات محددة بحدود الحفاظ على المنافع الفردية والجماعية ، الفردية التي لا تضر بالمجتمع ، والجماعية التي تحافظ على منافع الأفراد : أصالة الفرد والمجتمع ، ولكنما المجتمع هو الاوّل والأولى إذا تناحرا ، لمكان «لكم»!
فحرية التصرف فيما في الأرض هي مباحة مسموحة ما لم تناحر حرية الآخرين.