(٢١ : ٨٧) وفي موسى : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) حيث لم يسبق ليونس نهي عن ذهابه عن قومه مغاضبا مستاء أن عصوا الله ، وانما انتقص في دعوته الرسالي إذ ذهب عن قومه ولم يصابر! ..
واظهر منه ظلم موسى نفسه فانه قتل القبطي المشرك المقاتل للاسرائيلي الموحّد ، وليس هذا محرما حتى ولو لم يقاتل المشرك فان دمه هدر ، فكيف إذا قاتل الموحد فان مطاردته تصبح واجبة ، فهذا ذنب العصيان عند المشركين : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) (٢٦ : ١٤) وطاعة خاطئة عند الموحدين : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) فلم يقل غيري وهو قد قتل ، وانما «نفسي» حيث أخر دعوته الرسالية نتيجة قتله القبطي ، إذ كان الأحرى أن يدفعه ولا يقتله حتى لا تتأخر دعوته ، ولكنه (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) (٢٨ : ١٥) فوكزه عمل الرحمان وقد كان مقصودا للدفاع عن الموحد ، وقتله من عمل الشيطان ولم يكن مقصودا حيث يؤخر الدعوة ، وطلب الغفر عن هذا الذنب الظلم لا يعني إلّا ان يستر الله على البغضاء الفرعونية حتى يواصل موسى في دعوته.
ومهما يكن هنا وهناك من شيء فليس الظلم من يونس وموسى مسبوقا بنهي ، وان كان مرجوحا وجاه الدعوة الرسالية ، لكن ظلم آدم كان مسبوقا بأشد النهي ، موصوفا بالزلة والغواية والعصيان ، إذا فهو الظلم الحرام مهما كان من أدناه ، وقد هدّد الظالمون العصاة بعدم الفلاح (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (٦ : ٢١) والهلاك : (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُالظَّالِمُونَ) (٦ : ٤٧) واللعنة : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (١١ : ١٨) وبضلال مبين : (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣١ : ١١) مهما اختلفت مراتب الهلاك والضلال واللعنة حسب اختلاف الظلامات.
فهل لك بعد ذلك كله ان توجّه ظلم آدم وعصيانه وزلته وغوايته