ولان الأهوية والآراء تختلف ، والمذاهب تتخالف ، والنظريات تتضارب ، فمعاني الآيات لمن يحمل هذه وتلك تتهافت ، ويصبح القرآن مجال القيل والقال ومعترك الآراء والأقوال.
وأما إذ صدر المفسرون عن مصدر واحد ، وساروا في مسير واحد ، مفسرين للقرآن بالقرآن ، على ضوء السنة القطعية الملائمة للقرآن ، اغتربت خلافاتهم ، واقتربت أفكارهم ، وإذا جعلوا أمرهم شورى بينهم قلّ قليلهم وصح عليلهم ، واستشرفوا الى ينبوع الوحي وإن كانوا في ذلك درجات.
صحيح أن القرآن بيان للناس ، إلّا ان بيانه درجات كما الناس درجات ، وكما يروي الامام الحسين عن أبيه علي امير المؤمنين عليهما السلام : «إن كتاب الله على اربعة أشياء ، على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق ، فالعبارة للعوام والإشارة للخواص واللطائف للأولياء والحقائق للأنبياء» وهذه الأشياء المراحل هي متلائمة رغم درجاتها.
فالعبارة ـ وهي ما يعبّر عنه اللفظ ـ هي التفسير الظاهر ، والإشارة هي التحقيق على هامش الظاهر ، واللطائف هي البطون ، والحقايق هي التأويل (١) فالذي لا يعرف التفسير الظاهر هو أدنى من العوام ـ (٢)
ويروى عن ابن عباس «إنّ للقرآن آيات متشابهات يفسرها الزمن» (٣).
__________________
(١) سوف نبحث عن التأويل والمعاني الباطنية على ضوء آية التأويل «.. وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» إنشاء الله تعالى.
(٢) بما ان الاشارة بعد المعنى الظاهر فليست العبارة هنا إلّا التعبير عن الظاهر ، وكثير كثير هؤلاء الذين يدرسون عشرات من السنين في الحوزات العلمية ولم يصلوا بعد الى درجة العوام في تقسيم الامام عليه السلام.
(٣) والمقصود تقدم العلم والعقل على مرّ الزمن ، فليس هناك آيات متشابهات لإبهام دلالي ، وانما لعلوّ مدلولي عقليا او علميا فالتقدم العقلي والعلمي يفسر هذه التشابهات على قدره.