هناك آيات تصرح أن اليهود والنصارى حرفوا قسما وأقساما من آيات الوحي : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ ... فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (٢ : ٧٩) فكيف يصدق القرآن ما يكذبه من آيات توراتية أو إنجيلية دخيلة؟.
إذا فليس القصد كلّ ما معهم ، فهل هو ـ إذا ـ ما معهم من آيات الوحي لا سواها : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (٥ : ٤٨) فالمصدّق هو كتاب الله ، لا كل كتاب ولا كل ما معهم؟ وإنما بعض ما معهم؟.
وليس في تصديق البعض لما معهم تحريض على الإيمان به ، فان كلّ لاحق ـ لا محالة ـ يصدق البعض من سابقه ، إذ لا يمكن تكذيبه ككلّ وإن كان كلّه من وحي الأرض!. بل ولا يستطيع أي كاذب محتال أن يجمع أكاذيب لا صدق فيها ، فإنما يخلط كذبا بصدق ، ويظهر كلّا بمظهر الآخر بغية الإضلال : «فلو أن الحق خلص لم يكن للباطل حجة ولو أن الباطل خلص لم يكن اختلاف ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان فيجيئان معا فهناك استحوذ الشيطان على أولياءه ونجى الذين سبقت لهم من الله الحسنى» بل وحتى إذا حاولوا أن يجمعوا كذبا خالصا لا يستطيعون!.
فترى إذا لا يقصد من «ما معهم» لا كله لمكان التحريف ، ولا بعضه إذ لا يفيد ، فما هو المصدّق إذا؟.
أقول : انه البشارات الموجودة في التوراة كما في آيات : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٢ : ٨٩) فقد كانوا من قبل أن يأتي محمد بالقرآن يستفتحون على المشركين انه يأتي