فهنا الآيات ، وعلى ضوءها الروايات تأتي بحملة قارصة كبيرة على هؤلاء المفسدين اللاعبين بالدين ، الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ، او يخالفون الناس الى ما ينهونهم عنه ، ويقولون ما لا يفعلون ، ف «لا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به ولا ينهى عن المنكر من قد أمر أن ينهى عنه» (١) حيث القصد من الأمر والنهي هو الإصلاح العقلاني للمجتمع ، خلقا لجوّ الصلاح والطمانينة ليعيشوا على رغد أمن وراحة ، إضافة إلى ما فيه من نبعة فياضة للخير من الآمرين والناهين ، فكل إناء إنما يرشح بما فيه ، والمسلم المليء من الخير يرشح به بعمله ولسانه ، والنزيه عن الشرير يرشح كذلك نهيا عنه ، واجبان : ذاتي يتبنّى إصلاح الفرد ، وجماعي يتبنىّ إصلاح المجتمع ، ابتداء من الذاتي وانتهاء إلى الجماعي.
نرى خطباء من أمة الإسلام يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم على حدّ ما يروى عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «تقرض شفاههم بمقاريض من نار» (٢) «يجاء بأحدهم يوم القيامة فيلقى في النار فتذلق به أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيطيف به أهل النار» (٣)
__________________
(١) هذا من الحديث المفصل الماضي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت له عن الدعاء إلى الجهاد ..
(٢) الدر المنثور ١ : ٦٤ ـ أخرجه جماعة عن انس قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت رجعت فقلت لجبريل من هؤلاء؟ قال : خطباء من أمتك كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون.
(٣) الدر المنثور ١ : ٦٤ ـ أخرجه احمد والبخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : يجاء برجل يوم القيامة فيلقى في النار ... فيقولون : يا فلان! ما لك ما أصابك؟ الم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر فيقول : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه.