بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (١١ : ٨٨) حيث تعد مخالفته إلى ما ينهى عنه في عداد الإفساد وكما الأولى تعده خلاف العقل.
والتعدية هنا ب «الى» مضمّنة نفي الميل الى ما ينهى ، لا ـ فقط ـ نفيا لاقترافه ، بل واقترابه والميل إليه!
فلا يحق او يجوز لناه ينهى عن خطيئة إلا بعد ما هو ناه نفسه قبله حتى عن الميل إليه ، فضلا عن اقترافه أو اقترابه ، فان ثالوث الميل قلبيا والاقتراب أو الاقتراف عمليا هو من الإفساد ، وكيف لي بذلك النهي وانا رسول؟ ف (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) ما بقيت لي نفس أو نفس!
ثم وثالثه تثقل على آمره وناهيه المقت الكبير : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) (٦١ : ٣) (١)
فصحيح ان فاعل المعروف غير الآمر به ، وتارك المنكر غير الناهي عنه مع توفر شروط الأمر والنهي ، انه ممقوت عند الله ، وكذلك الذي ـ فقط ـ يترك المعروف ويفعل المنكر ، ولكنما المقت الكبير والإفساد الكبير وخلاف العقل إنما هو على من يجمع بين الأمر قوليا وتركه عمليا ، فإنه بذلك يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف بذلك الجمع المفسد المزري الضاري.
__________________
(١) راجع الفرقان (٢٨ : ٢٩٨ ـ ٣٠١) تجد تفصيلا لتفسير آية المقت.