لا في مدينة او قرية ، فهو التيه ، ودلالة ثانية أمرهم بعد ذلك : (اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) فقد تمت لهم مربع النعم السابغة وهم في التيه حيارى ، رغم أنهم تاهوا جزاء عما تخلفوا من اقتحام القدس وفيها العمالقة الجبارون.
ثم الانبجاس والإنفجار مترتبان تلو بعض ، فلما ضرب بعصاه الحجر انبجس : انفراجا أضيق من الإنفجار ، ثم انفجارا باثنتي عشرة عينا منبجسة عدد الأسباط المقطّعة اثنتي عشرة أمما ، حيث كانوا يرجعون إلى اثني عشر سبطا عدد أحفاد يعقوب (عليه السلام) وهو إسرائيل المنسوبون إليه المتسللون عنه ، وهم رءوس القبائل الإسرائيلية (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) حيث عيّن لكلّ خاصة لا تعدوهم إلى سواهم ، وقيل لهم : (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ) أكلا من طيبات المنّ وشربا من هذه العيون (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) حيث كانت لهم نفسيات مفكّكة وجبلّات متداعية هابطة ، آبية من الارتفاع إلى مثل الأخلاق الأبيّة.
وأصل العثا شدة الفساد ، فهو السعي في شديد الإفساد ، فقد يكون الفساد نتيجة عدم انضباط النفس عن الحرام أحيانا مّا فهو من اللمم ، وأخرى انضباط النفس غورا في الحرام وخوضا فيما لا يرام ، وثالثة تجنيدا للقوى للإفساد وهو عثا الإفساد وعيثه محسوسا وغير محسوس (١) وهنا النهي موجّه إلى حالتهم الفعلية الرديئة : السعي في عيث الفساد حالة الإفساد ، وهو غاية الطغيان والكفران رغم أنهم نالوا من رحمة الله غاية النعمة ، واين نعمة من نقمة!.
ثم ترى أكان هذا الحجر خصيصا من حجر التيه؟ أم حجرا منكرا
__________________
(١). في غريب القرآن ان العيث والعثى متقاربان الا ان العيث اكثر ما يستعمل في الفساد المحسوس والعثى فيما يدرك حكما لاحسا أقول : ولعل العثى هنا تجمع بين الإفساد غير المحسوس والمحسوس ، حيث الاوّل إذا تجاوز حده ظهر في المحسوس.