٣ ـ (وَاسْمَعُوا) بسماع آذانكم (١) ما يقرء عليكم رسولكم حيث يقرع به أسماعكم ، ومن ثم بآذان قلوبكم لكي يكمل الوعي ، فيحصل العمل : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) : حيث إن فطنة الاتقاء ومغبته ليس إلّا بعد التحليق في هذا المثلث بتحقيق زواياه ، آخذا من ظن الاتقاء وعلمه وواقعه اليقين.
ويا له من مشهد متناسق في لزام القوتين : نتق الجبل فوقهم كأنه ظلّة ، وأخذ الميثاق بقوة ، مما يوحي بانه من معجزاتهم كما نتق الجبل معجزة ، بما عرف من إخلادهم إلى الأرض واتباع أهوائهم وفرط أمرهم وانجذابهم الى جواذب الفسوق والعصيان ونزعات الطغيان ، وكما الجبل منجذب لا محالة الى الأرض إلّا بقوة الله ، فليأخذ واما أوتوا بقوة التصميم حسب المستطاع ، وليستعينوا بالله في تحقيق ميثاق الله باستجماع نفس وتصميم.
هذا المشهد الرائع المروّع المتناسق ينبههم ان المجال في ميثاق الكتاب لا يتحمل أية رخاوة وتميّع وفلول ، ولا أية أنصاف حلول ، وإنما هو نتق لجبل الإنيات والشهوات والنزعات ، لا سبيل فيه إلّا الجد بكافة الطاقات والإمكانيات ، حيث يودّ عون حياه الدعة والرخاوة واللامبالات ويقبلون الى الله بكلهم اقبال الجادّ العارف المصمم.
فميثاق الكتاب منهج حياة ايمانية : يقينا فنظاما ينظم الحياة في كافة حقولها كما يريد الله (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
__________________
(١) لان «اسمعوا ما فيه» يذكر في آيته بدلا عن «اذْكُرُوا ما فِيهِ» في آيتيه ، نعرف ان سمع ما فيه هو سمع القلب كما الذكر هو فعل القلب ، فسمع القلب هو ذكره وذكره سمعه ، يتجاوبان في آيتيهما.