وترى انهم أخذوه بقوة وسمعوه وتذكروا ما فيه؟ .. انهم خادعوا الله حيث تظاهروا ـ والجبل فوقهم كأنه ظلة ـ كأنهم موفون بميثاق الكتاب خشية وقوع الجبل عليهم ، ثم تولّوا : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) وكان لزاما نتق الجبل ووقوعه عليهم بعد ذلك : (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ).
ليس فحسب انهم تولوا من بعد ذلك ، بل وقالوا قولتهم الفاتكة بعد ما قيل لهم (..خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا) ـ : (قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢ : ٩٣).
«ثم» في آيتنا توخر قولتهم الفاتكة عن واقعة الجبل ، وتفسر هذه : (قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا) أنها كانت بعد الواقعة ، فلو كانت عندها لوقعت الوقعة حيث لم ينتق الجبل حينه إلّا إخافة.
ولم يكن رفع الجبل اكراها لهم في الدين : العقيدة ـ حتى تنافيه (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) وإنما حملا لهم على تطبيق الدين بعد ما تبين لهم كعقيدة ، حيث النص : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) فقد كان أخذ الميثاق قبل رفع الطور وبعد ظاهر الإيمان بما أخذ عليهم ميثاقه ، ثم تحقق رفع الطور بذلك الميثاق : (وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ ..) (٤ : ١٥٤).
ورفع الجبل هذا كان لهم موعظة وذكرى وإخافة «ان لم تقبلوه وقع عليكم الجبل فقبلوه وطأطأوا رؤوسهم» (١). آية إلهية
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٨٥ عن تفسير القمي قال الصادق (عليه السلام) لما انزل الله التوراة على بني إسرائيل لم يقبلوه فرفع الله عليهم جبل طور سيناء فقال لهم موسى (عليه السلام) : ...».