ثم ٤ (وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) فانه ملكه وليس ملككم ، فهو الذي يصطفي له ويؤتيه لا أنتم حتى تعترضوا ، ولا يشاء ذلك الإيتاء إلا لمصلحة مهما لم يكشف عنها النقاب وقد كشف ، ف (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ).
و «ملكه» هنا دون «الملك» مما يدل على اختصاص الملك المستخلف بالله كما الملك الذاتي مختص بالله ، فقد يستخلف ملكا رسولا وغير رسول بالانتصاب كما في زمن الوحي ، أو يستخلف ملكا ـ في القيادة الروحية الزمنية او كليهما ـ يستخلفه نخبة بين الشعوب المسلمة بشورى بينهم ، ينتخبون الأليق للقيادة وهو الأشبه بالقادة المعصومين ، نخبة للقيادة الصالحة لهم.
٥ وأخيرا (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) لا يتضيق بما قرر الملك في بيت والنبوة في آخر ، فلا يستطيع أن يحولهما عنهما إلى آخر ، فقد حول الملك هنا عن بيت الملك اصطفاء آخر ، كما حول النبوة عن بني إسرائيل فاصطفى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بأصفى نبوة منقطعة النظير بين كل بشير ونذير ، ثم ولذلك الملك آية ربانية إضافة الى مخمس البرهنة :
(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ٢٤٨.
تلك الخمس السالفة كانت آيات معرفية لمن يعرف الحق بالبرهان ، وهذه السادسة خارقة إلهية تعرّف حق الملك لغير العارفين بصادع البرهان ، حيث تجمع ذوي البصائر والأبصار إلى تصديق الحق من الله في ملك طالوت ، فما هو ـ إذا ـ التابوت؟ وما هي السكينة فيه من ربكم؟ وما هي (بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ)؟.
لقد ذكرت «التابوت» هنا وفي طه : (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِ فِيهِ