(فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) وهم ـ بطبيعة الحال ـ الذين طعموا منه دون شرب ، ثم :
(قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ ...) وهم ـ بالطبع ـ الذين لم يطعموه ، مغترفا بيده ، وبأحرى من لم يغترف حيث لم يقترب النهر لاغتراف فضلا عن سواه (١).
(قالَ ... كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).
أولئك هم الخاشعون المستعينون بالصبر والصلاة ، الظانون في قلوبهم ، القاطعون بعقولهم أنهم ملاقوا الله : هنا معرفيا وزلفى ، وهناك في الأخرى معرفة وزلفى هي الأخرى والأحرى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ. الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٢ : ٤٦).
فهنا الاستعداد الاستمداد من واقع الإيمان والإيقان ، متخطيا كل الموازين والقيم الظاهرية التي يستمد سائر الناس من واقع حالهم العادية ، حيث الإيمان ميزان جديد حديد شديد يتغلب على سائر الموازين والقيم المتغلبة في حسابات الناس.
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٢٤٨ في تفسير القمي روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال : القليل الذين لم يشربوا ولم يغترفوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، فلما جاوزوا النهر نظروا الى جنود جالوت قال الذين شربوا منه «لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده ، وقال الذين لم يشربوا» ربنا افرغ علينا صبرا ...
وفيه عن تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليهما السلام) في قول الله (إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ ...) فشربوا منه الا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا منهم من اعترف ومنهم من لم يشرب فلما برزوا قال الذين اغترفوا لا طاقة لنا ... قال الذين لم يغترفوا : كم من فئة ...