أترى ـ وذلك بازغة الحجاج من ابراهيم ـ فأين البداية من الذي حاجه؟ إنها ـ لسخافتها كاسمه ـ أدرج درج الرياح ، وقد يلوح من (قالَ إِبْراهِيمُ ...) ان نمرود ادعى الربوبية لنفسه ثم قال له : ومن ربك أنت لأرى أينا أقوى وأحرى بالربوبية ، فعرّف ابراهيم ربه بأهم اختصاصات الربوبية : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) : إحياء لكل الميتات التي تحق الحياة ، وإماتة للأحياء التي تحق الممات ، نباتية وحيوانية وانسانية وملائكية أماهيه.
فالإحياء والإماتة هما الظاهرتان المكرورتان أمامنا على طول الخط ، المعروضتان للإحساس والعقل دونما وقفة ، وهما في نفس الوقت من الأسرار المحيرة للعقول في كل الحقول ، لا يتمكن العاقل ومن دونه أن يسندهما إلّا الى الخالق المتعالي عن عجز المخلوقين.
اننا لا نعرف شيئا عن حقيقة الحياة والموت على الإطلاق حتى الآن ، اللهم الا مظاهر لهما ، فنلزم ـ إذا ـ ان ننهي مصدرهما الى قوة ليست من جنس القوى المحكومة بالموت والحياة وهو الله الحي الذي لا يموت.
ولماذا هنا «يحيي» قبل «ويميت» وفي كثير سواها «يميت ويحيى»؟ لأن هذه في مقام إثبات الحياة بعد الموت ، ونمرود ناكر اصل المحيي والمميت فضلا عن اليوم الآخر ، إذا فلا يناسبه إلا (يُحْيِي وَيُمِيتُ) الذي هو ملموس لكل أحد.
ثم ومن هؤلاء الذين أحياهم الله هو نمرود نفسه ، وتراه يرى نفسه أحياها بنفسه؟ وكذلك سائر الأحياء ، فلا مجال له ان يدعي لنفسه الإحياء ، ولكنه أخذ يلوي قصة الإحياء والإماتة بتوسعة تسعه وسواه من النماردة وسواهم ـ :
(قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ).