ويكأنه هو المحيي والمميت ككل ، إذ لم يعطف قوله بقول ابراهيم اشراكا لنفسه بالله في الإحياء والإماتة ، بل «انا ...» دون «وانا ...».
فحتى وان عطف نفسه بالله في ذلك لم يكن إحياءه وإماتته فعلة ربانية ، فان كل احد له سلطة مّا على آحاد بإمكانه ذلك الإحياء والإماتة ، ان يقتل غير المحكوم عليه بالقتل ، ثم يبقي المحكوم عليه به كما فعله نمرود ، وقد يروى انه قال له ابراهيم : أحي من قتلته إن كنت صادقا (١).
ذلك! فضلا عن ان يكون له ـ فقط ـ كل إحياء وإماتة بكل صورهما ، فمن هو المحيي له نفسه ـ إذا ـ إلا الله ، ثم ومن هو المحيي والمميت حقا ـ ككل ـ إلا الله ، وما مثاله إلا تقديما لما يقدر عليه كثير أمثاله ودونه بكثير.
وهنا لم يكن من الصالح الرسالي في ذلك الظرف الهرج والمرج من السلطة النمرودية ، الحاجبة للعقول والحلوم ، ان يسترسل في جدل حول المعني من الحياة والموت ، والقصد من الإحياء والاماتة ، مع غبي قوي يماري ويداور في تلك الحقيقة الهائلة.
ولكيلا يأخذ نقضه الناقص الجاهل القاحل مأخذه من أوهام هاوية من شعبه ، ممن تبهره سلطته الزمنية فيحسب باطله حقا ، ينتقل من هذه الحجة المحتاجة الى تفهم ، إلى حجة أخرى لا تحتاج إلى تفهم ، وإنما يكفيها الحس مهما كان حيوانيا ف :
حقيقة ملموسة كونية هي بمرأى ومعلم ذوي الأبصار ، دون ان تتخلف ولا مرة يتيمة ، يكفى لإدراتها حيونة الإبصار مهما كانت من انسان او حيوان ، فلا مجال ـ إذا ـ للحيونة النمرودية ان تحول بينها وبين دلالتها على الله ، ولا مجال في أية مماراة.
__________________
(١) عن المجمع وقد روي عن الصادق (عليه السلام) ...