ففيما يحتم الموت حسب الأسباب الظاهرة فالتجنب عنه مفروض حين لم تفرض عليه هذه الأسباب ، فإذا فرضت فالتجنب مرفوض ، وكذلك الأمر فيما يحتمل فيه الموت ، فالموت المحتّم أو المحتمل في حقل تطبيق الفرض فرض ، وهما في سائر الحقول ولا سيما في رفض الفرض أو اقتراف محظور محظور مرفوض.
وهنا الخطاب العتاب موجّه الى هؤلاء الذين كتب عليهم القتال فيرفضونها خوف الموت بأن الأجل المحتوم آت (أَيْنَما تَكُونُوا) دون معرفة منكم وخبرة ، ثم المعلق ـ كذلك ـ آت فيما لا حول عنه ولا حول ولا قوة ، فليعلق ذلك الأجل بعلقة أمر الله ونعما هو ، دون تعلّق بعصيانه فتعلق بغير أمره أم بعصيانه وبئسما هو.
فكما الحياة الإيمانية هي الكائنة بأمر الله ، فليكن كذلك الممات بأمر الله في شرعته ، وكما يأمر بتكوينه ، فعيش المؤمن مرضات الله في حياته ومماته ، فهو ـ إذا ـ حيّ على طول الخط ، كما العائش حياته ومماته في غير مرضات الله ميت على طول الخط.
فلا تعني (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) تركا لواجب الحذر والحيطة على النفس ما استطاع الإنسان إليه سبيلا ، فقد سبق أن أمر الله بأخذ الحذر ، ومنه الحذر عن الموت ببواعثه المرفوضة غير المفروضة ولا الراجحة ، وكما أمر بالحائطة في صلاة الخوف ، ونهى عن إلقاء النفس الى التهلكة! ولا يعني الفرار عن بواعث الموت ـ حتما أو احتمالا ـ غير المفروضة ، إلا الفرار عن الآجال المعلقة دون المحتومة.
ولو كانت الآجال ـ محتومة ومعلقة ـ معروفة لأصحابها لاختص الفرار بالمعلقة دون المحتومة ، فلأنها مجهولة فرض علينا الفرار عن كل بواعث الموت