المستكبرين انهم يرون من سواهم ضعفاء أمامهم فيستضعفونهم طلبا للضغط عليهم وحملهم على ما يريدون.
ثم المستضعفون هم ثلاث فرق ، فرقة أقوياء صامدون في إيمانهم وليست لهم عدّة وعدّة في حساب المستكبرين ، فلا يؤثر فيهم عامل الاستكبار وعملائه ، بل ويزادون أمامهم صمودا في إيمانهم ، وهم الرعيل الأعلى من أهل الله من المقربين والسابقين وأصحاب اليمين ، وقد تعنيهم : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ..).
فهم أولاء أقوياء وليسوا ضعفاء حتى يرجعوا أغوياء ، فإنما طلب ضعفهم من قبل المستكبرين ، إذ ليس عندهم عدّة ولا عدة من مظاهر القوة.
وتقابلهم تماما فرقة أخرى هم الضعفاء في ايمانهم تحصيلا أو حاصلا تقصيرا في مبادئه وتطبيقاته ، فيستضعفهم المستكبرون أن يجدوهم ضعفاء ، فيجدوا فيهم آمالهم المضللة ضغطا عليهم في ضلالات عقيدية وعملية أماهيه وهم المعنيون به (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ..).
وثالثة هم عوان بينهما ، تعنيهم (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ ..) فإنهم ضعفاء عن قصور مطلق أم خليط منه ، ومن تقصير في إبقاءهم في جوّ الاستكبار (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) ولا سيما الآخرين منهم ، حيث الأولون «الولدان» الذين يعيشون قصورا طليقا لا حول عنه ليسوا من المذنبين ، فالعفو عنهم عفوي ، خلاف العفو الأول فإنه رحمة زائدة في عساه وواقعه.
ف «ولا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجة فسمعتها أذنه ووعاها قلبه»(١)إنما هو الذي أسلم نفاقا (٢) أو وفاقا ولمّا يدخل الإيمان في قلبه بأسره
__________________
(١) نهج البلاغة عن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السّلام).
(٢) الدر المنثور ٢ : ٢٠٦ عن ابن زيد في الآية قال لما بعث النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وظهر ـ