ولقد كان حقا لهم أن يتحرجوا في ظاهر الحال ، حيث الضارب في الأرض ، الخائف من بأس العدو هو بأمس الحاجة إلى الصّلة الوثيقة بربه ، والصلاة هي أقرب الصلات إلى الله ، وقد أمرنا أن نستعين بالصبر والصلاة ، وخير مجالاتها هي حالة الخوف من أعداء الله للضارب في سبيل الله ، فكيف يقصر الضارب الخائف من الصلاة وقضية الموقف تطويلها؟.
ذلك! غير أن الصلاة الكاملة بركعاتها وركوعاتها وسجوداتها قد تعوق الضارب في الأرض عن الإفلات من كمين قريب ، أو تلفت إليه أنظار العدو فيعرفه ، أو قد تمكن منه وهو راكع أو ساجد فيفاجئه باغتياله ، فلذلك لا جناح عليه أن يقصر من الصلاة حفاظا على نفسه ، وله أن يزيد في روحية الصلاة بباطنها ، بدلا عما يقصر من ظاهرها ، فلم يفت ـ إذا ـ من صلاته شيء إلّا ظاهر من كمّ او كيف حفاظا على حياته.
وهنا الآية الاولى منصبة على صلاة الخائف ، إذا ضرب في الأرض وخاف العدو الكافر ، والضرب في الأرض مهما عنى الخروج للحرب ولكنها لا تختص بسفر القصر ، فلا موضوعية ـ إذا ـ للضرب في الأرض اللهم إلّا بيانا لأكثرية مصاديق عروض الخوف.
وكذلك (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) حيث المدار هو الخوف على النفس ، و (الَّذِينَ كَفَرُوا) ليست إلّا المصداق المترقّب من الخوف ، فلا موضوعية أصيلة في حكم صلاة الخائف أن يختص الخوف بما عن الكافر المهاجم.
إذا فالمحور الأصيل هو الخوف والخوف فقط ، في سفر القصر وسواه من سفر أو حضر ، وخوف من الكفار في أرض المعركة أو خوف اللصوص أو مفترس الحيوان أمّاذا.