الجهر بالسوء ، وعلى من أسيئ إليه ، وهو في جملة جميلة نظيرة لهذه : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١) (٢٤ : ١٩).
أجل ، وربّ كلمة عابرة لا يتحسب قائلها حسابا لما تحتها من خلفيات سوء ، أو شائعة عابرة لم يقصد بها إلّا فردا من الناس ، وهي كماهيه تترك في نفسية المجتمع وفي أخلاقهم وفي اختلاق جو مظلم آثارا مدمّرة حيث تتجاوز الآحاد الى المجتمعات.
واللسان الجاهر بالسوء من القول ليس وراءه عقلية إيمانية وتحرّج عما يحصد من سوء ، تدميرا للثقات المتبادلة حيث يخيّل إليهم غلب الشر رغم فرديته القليلة ، ووا ويلاه إن كان بهتانا لا أصل له.
فقالة السوء الجاهرة حين تنتشر تصبح كالمنشار ، تنشر قدر ما تنتشر ، فيهون عملية السوء في المجتمع المنشور فيه ، ويتعوّد الألسنة على الجهر بالسوء ، وتشجّع كوامن السوء باقترابه على اقترافه ، فهنالك الطامة الكبرى بخلفية الانحلال الجماعي والفوضى الخلقية ، بما لاكته الألسن الهرجة المرجة دون تحرّج.
فهذه السلبية الباتة هي من الأصول الخلقية العامة الإسلامية غير المستثناة اللهم : (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) فالمظلوم له جهر بالسوء انتصارا على ظالمه (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ. إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤٢ : ٤٢).
ذلك ، بل هو من شيم الإيمان حتى لا يشيع الظلم : (وَالَّذِينَ إِذا
__________________
(١) راجع تفسير الآية في الفرقان (١٨ ـ ١٩ : ٧٥) تجد فيه تفصيل القول ما يناسب آيتنا هذه.