وذكر نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أولا وهو آخرهم مبعثا لأن القصد ذكر النبوة الأصيلة التي يرأسها نبينا ، ومن ثم نوح وهو أوّل النبيين من أولي العزم مهما سبقه نبي كادريس ، والمشابهة بين الوحي إلى اوّل النبيين الأصلاء وآخرهم تعني أنهم سلسلة موصولة واحدة من منبع واحد ، موكب واحد يترائى على طريق التاريخ الرسالي المتواصل المتآصل ، يضم هذه الصفوة المختارة من شتى الأقوام وشتى البقاع في شتى الأمصار والأعصار.
ذلك وفي هذا التشبيه الجماعي : (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) حيث الممثل به كل وحي رسالي قبل الوحي إلى نبينا ، فيه دليل أنه «جمع له كل وحي» (١) بلا إبقاء ، فقد أوحى إليه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كل ما أوحى الى كل أنبياءه ورسله وله زيادة تحمل خلود رسالته.
ذلك لأن أقل ما يحمله هذا التشبيه كمّ الوحي وكيفه ، ومن ثم كم وكيف هما رمز الخلود في هذه الرسالة الأخيرة.
وترى كم عديد (رُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ)؟ المستفاد من آيات النبوة والرسالة؟ ان عديد الرسل أكثر بكثير من النبيين ، مهما اختلفت الروايات في عدد كلّ منهم.
و «الأنبياء» في بعضها تعمها بتأويل كونها جمعا لكلا النبىء والنبيّ لا سيما وأن الرسل فيها أقل ذكرا بينهم ، فالمعني منهم أصحاب الرسالات العظيمة أنبياء وسواهم (٢).
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٥٧٣ في تفسير العياشي عن زرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام قال : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) فجمع له كل وحي.
(٢) الدر المنثور ٢ : ٣٤٦ ـ أخرج بعدة طرق عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله سلّم) كما الأنبياء؟ قال : مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفا قلت يا رسول الله كم الرسل منهم؟ قال ثلاثمائة وثلاثة ـ