الضمائر والمشاعر ونجحنا فيها على الأعداد الداخليين.
وليس التفوق الإيماني في هذه المعارك على الجاهليات تفوقا ـ فقط ـ بالسيف والنار ، بل ـ وفي الأصل ـ بالحجج الدامغة والخلق العالية السامقة ، والصمود المطلق المطبق أمام كل العراقيل المتربصة بهم دوائر السوء.
وقد اجتاحت القوة الإيمانية الإمبراطوريتين العظيمتين الإيراني والرومي ، بعد ما اجتاح الجاهلية في الجزيرة ، ومن ثم في سائر الأرض سواء أكان معها جيش وسيف مكافح أم كان معها مصحف وأذان.
أجل! إنها لم تكن غلبة عسكرية فحسب في ردح من الزمن ، بل وبأحرى غلبة عقيدية ثقافية سياسية خلقية اقتصادية وحتى في اللغة ، حيث أثرت لغة القرآن في امم آمنت به فغيرت لغاتها كمصر وسوريا او مزجت بلغاتها كما في إيران.
ونرى هذه الآيات تبدأ بسؤال التنديد الشديد عن موقف أهل الكتاب :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) (٤٤).
«الكتاب» هنا هو كتاب الوحي ككلّ حيث يجمعه القرآن دون إبقاء ، وما الكتب السابقة إلّا نماذج محدودة مؤقتة تعبّد الطريق لنزول (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).
ثم هؤلاء لم يؤتوا ـ بالفعل ـ إلّا نصيبا من وحي التوراة والإنجيل قضية الخلط بين وحي الأرض والسماء فيهما ، سواء فيما حرفوه من الكتاب أم ما حرفه سواهم (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) (٥ : ١٣).