قبلها فقد تنسخ أم فيها فلا تنسخ؟ فالأصل أنها منها حيث المائدة نزلت جملة واحدة تباعا ، مهما حولت آية التبليغ إلى ما بعد آية تكميل الدين وإتمام النعمة لمصالح بيانية سوف نأتي عليها.
واعتبارا بمنزلها الوسيط بين مهبطي الوحي قد يصح أن تسمى مكية مدنية ، مكية لنزولها قرب مكة ، ومدنية حيث نزلت بعد الهجرة.
ذلك ، وبالمراجعة الموضوعية الدقيقة إلى مقاطع المائدة نرى الطابع البارز فيها ، المتميز بين سائر السور ، أنه طابع التقرير والحسم في التعبير لكل مسير ومصير ، حسما وتقريرا يحلّقان على كافة المواضع والمواضيع التي تتبناها ، ومهما كان القرآن كله بذلك النمط لكنّما الآيات القلّة المنسوخة خارجة عن ذلك المسير ، حيث تلمح بنفسها أنها محددة لردح من الزمن ثم تنسخ ، اللهم إلّا في نسخ التخصيص والتعميم ، والتقييد والتطليق.
وقد تكفي آيتا التبليغ وإكمال الدين وإتمام النعمة فيها ، بيانا شافيا أنها هي ـ حقا ـ المائدة الأخيرة من سماء الوحي ، تنزل على الرسول (ص) في أخريات زمنه الرسولي ، كحجر الأساس لبناية الصرح الرسالي الخالد منذ بزوغه إلى يوم الدين.
وفي دراسة دقيقة خاطفة عاطفة لآياتها مع بعضها البعض نجدها كأنها نزلت جملة واحدة كماهيه ـ اللهم إلا آية التبليغ حيث تلمح لامعة أنها نزلت قبل آية الإكمال والإتمام ـ مما يوحد تنزيلها وتأليفها كما وأن ذلك التجاوب يتواجد ـ كضابطة أصيلة ـ في السور كلها ، اللهم إلّا ما ثبت خلافه بدليل.
ذلك ، وقد نلمس هيمنتها الشاملة في مواضيعها كأشمل ما نجده في القرآن كله ، فإنها براعة ختام كما الجزء الثلاثون براعة استهلال ، فقد ختم القرآن بما استهل به في دلالة جامعة على القرآن كله ، بفاصل أن المائدة هي ناسخة غير منسوخة.