دولة مثلثة التنظيمات ، بعقد وثيق مع الله في بعدية : ١ منه علينا ٢ ومنا إليه ، و ٣ آخر يتبنى عقد الله مع عباد الله بينهم أنفسهم ، ولذلك يؤمر (الَّذِينَ آمَنُوا) هنا في بزوغ المائدة أن يتبنوا دولة الإيمان على ذلك الأصل الأصيل النبيل لتصبح حياتهم ودولتهم مائدة على ضوء الإيفاء بالعقود ككلّ.
(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) : (١).
وبما أن الإيمان وعمل الصالحات ـ فرديا وجمعيا ـ كله إيفاء بالعقود ،
__________________
(١). قد يظن هناك كما في أشباهه ألّا رباط بين جملتي الآية «أوفوا .. أحلت ..» فترتيب تأليف القرآن ـ إذا ـ ليس بالوحي.
ولكن كون ترتيب التأليف بالوحي كما التنزيل ضرورة لا حول عنها ، حيث المعاني المستفادة من ترتيب التأليف ليست مستفادة من ترتيب التنزيل ولا التأليف بغير الوحي ، فلأن القرآن هو آخر كتاب سماوي وسائر كتب السماء محرفة عن جمات أشراعها ، فالمفروض في هذا الوحي الأخير أن يكون وحيا في كافة جنباته ، ومنها ترتيب تأليف ، فلو أهمل في ترتيب التأليف لكان ذلك إهمالا في معاني مقصودة من الترتيب الوحي الذي يحلق على كل المعاني المقصودة بخاصة الترتيب.
ولو لم يكن هذا الترتيب الموجود طول القرون الإسلامية بالوحي لتكرث الترتيبات والتأليفات ، حيث الرغبات في تأليف القرآن كثيرة والرقبات فيه ـ إذا ـ مديدة ، وليس من الممكن أن مؤلف القرآن بهذا الترتيب هو واحد أو جماعة من غير المتصلين بالوحي ثم المسلمون أجمع بمن فيهم الأئمة المعصومون تلقوه بالقبول.
ثم «إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ» يحصر جمع القرآن وهو تأليفه بعد شتات تنزيله ، يحصره في الله تعالى ، فهل أوحى إلى غير نبيه معه أو بعده بذلك التأليف الأليف؟ والوحي منحصر فيه!
إذا فهذه القرآن هو كلّه وحي في كيانه ككل ومنه ترتيبه الخاص الحاضر.
فلا بد لمعرفة رباطات الآيات من كامل التدبر ولائقه بالذكر الحكيم ، فإذ لم تعرفها تقول : لا نعلم ، وهناك معاني عالية مستفادة من ذلك الترتيب العظيم وقضية ربانية الدعوة أن يكون تأليف كتاب الدعوة بنسق جمعي يجذب الناظر إليه في كل مجموعة يسيرة من آياته.
فالناس هم بطبيعة الحال في الأكثرية الساحقة لا يهوون أن يسمعوا إلى كتب الله لأنها تخالف شهواتهم الجارفة ولهواتهم الهارفة الخارفة ، فالطريقة الحسنى لجذبهم إلى الدعوة الربانية ـ إضافة إلى قمة الفصاحة والبلاغة ـ أن يحمل كتاب الدعوة في كل قسم منه كلا مجموعا كنموذج وأصل من أصل الدعوة وفرعها ، حتى يحتل سماع كل صاغ غير باغ ، أم وسماع كل باغ حيث تمر على سمعه ـ