للقرآن كله ، الشاملة كافة العقود سلبية وإيجابية ، وهي المناسبة لتبنّي دولة قوية إسلامية عالمية ، وقد نزلت المائدة بعد الفتح بأشهر وقبل ارتحال الرسول (ص) كذلك بأشهر.
فأوّلها وأولاها العقود الربانية التي عقدت على فطرة الإنسان وعقليته ، وما عقدها الله علينا في شرعته ، وهي عقود الولاية الربانية ، تكوينية وتشريعية أو شرعية يحملها رسول الله (ص) فهي واجبة القبول والإتباع والإيفاء.
وهكذا كلّ عقد يعقده ولي طليق في حق الولاية على أيّ مولّى عليه ، ما يحق له شرعيا أن يعقده كما النبي (ص) ف (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ...).
ومن ثم العقود التي نعقدها لربنا على أنفسنا وهي غير معقودة علينا في فطرة أو عقلية أو الشرعة ، ولكنها مسموحة برجاحة عقلية أو شرعية ، كعقد النذر والحلف والعهد فيما يصلح بشروطها المسرودة في شرعة الله.
ثم العقود التي نعقدها فيما بيننا نحن المؤمنين ، ومن ثم التي نعقدها بيننا وبين الكافرين ، ثم التي يعقدونها علينا ونحن قابلون.
والأخيران هما المعنيان بما يروى عن الرسول (ص): «أوفوا بعقد الجاهلية ولا تحدثوا عقدا في الإسلام» (١) فحاشاه أن يعني بها العقود التي تتبناها الجاهلية الجهلاء المناحرة للإيمان ، معاكسة جاهرة لقضية الإيمان! ، فإنما هي العقود المرضية في حقل الإيمان (٢) مهما عقدت في الجاهلية.
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٥٣ ـ أخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله : (أوفوا بالعقود) ـ أي : بعقد الجاهلية ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول : «أوفوا ...».
(٢) كما في المصدر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله (ص): أدوا للحلفاء عقودهم التي عاقدت إيمانكم ، قالوا : وما عقدهم يا رسول الله؟ قال : «العقل عنهم والنصر ـ