و «أحلت» هنا لا تختص بالأكل منها ، بل هي تعم كل فائدة منها وعائدة ، «أحلت» كأصل وضابطة ، و «أحلت» عما قيدها المشركون ، و «أحلت» عما يختلقه مختلقون أمام شرعة الله ، من توسعة أو تضييق بحق بهيمة الأنعام ، في أكل منها وسواه ، كيفية أم سواها ، فإن الحكم في أصولها وفروعها إلّا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين.
فرغم أن (مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً) (٦ : ١٤٢) إنهم (قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها ..) (٦ : ١٣٨) ف (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ) (٤٠ : ٧٩).
إذا ف (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) تحلّق الإحلال على كل ما يبتغي من الأنعام حمولة وفرشا وأكلا ، مهما اختصت أنعام حسب المرسوم بالأكل وأخرى بالحمولة والفرش ، ولكن حل الأكل يشملهما كما أن حل الحمل والفرش يشمل المأكول ، مهما حظر عن أكل الحمولة والفرش إذا كانت أغلى من المأكول وهو ألذ منها وأنعم ، تحظيرا جانبيا بسبب السرف ، ولكنها غير خارجة عن أصل الحلّ.
فكل عقد جاهلي وحظر في حقل الانتفاع ببهيمة الأنعام ـ توسعة وتضييقا ، سلبا وإيجابا ـ هي هنا مفكوكة ب «أحلت» ، وذلك الإحلال هو من العقود الشرعية التي عقدها الله في شرعته على عباده ، دونما حول عنها ولا تحويل ، وما الرسول في هذا الوسط إلّا حامل بلاغ عن الله فضلا عمن سواه من موحدين فضلا عمن سواهم.
وهنا «أحلت» إحلال نسبي بالنسبة لذوات بهيمة الأنعام عاما مستغرقا للأنعام دونما استثناء ، ودون تحليق على كل الحالات والكيفيات استغراقا في الإحلال ، فإنما هو حسب الشروط في الحصول عليها وذبحها ، ولكنها ضابطة ثابتة