صحيح أنه (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ولكنها ليست لتعني من الاعتداء بالمثل الظلم في الشهادة حتى وإن ظلموا هم إياكم في شهادة ، فإنما الاعتداء بالمثل فيما يجوز في أصله أحيانا ، والشهادة الزور لا يبررها أي مبرر على الإطلاق.
فالعدل في الشهادة وسواها هو الأساس في شرعة الله ، والاعتداء بالمثل عدل ، ولكنما الشهادة بغير حق ليس من العدل حتى في ظروف الشنآن.
ففي الظروف الشائنة التي كانت الجاهلية وسواها تظلم دون سبب هنا يأمر الله تعالى بالعدل في ظرف الشنآن ، قياما لله في الشهادة بالقسط وهو فوق العدل!.
فحين نطل من هذه القمة السامقة على الجاهلية الساحقة في كل دورها وعصورها ـ بما فيها من الجاهلية المتحضّرة ـ ندرك المدى المتطاول بين المنهج الرباني ، وسائر المناهج المتحللة عن وحي السماء!.
وحين نجد وصايا وهتافات للعدل حتى في رعاية الحيوان ، لا نجدها إلّا في عالم المثل والتخيلات ، فمهما كانت الألفاظ بارقة ، ولكنها عن معانيها فارغة ، ولا نجد الواقعية الخلقية السامقة فردية وجماعية إلّا في هذا النظام الرباني القرآني!.
قد يهتف ألوف من الهاتفين بالعدل وما أشبه ، ولكن لا تعدو أهتافهم الأسماع إلى القلوب وإلى الواقع ، حيث الهاتف هارف خارف لكونه فارغ القلب والقالب عما يهتف به ، ولا تصدر هتافهم عن مصدر رباني ، فلا سلطان لهتافاتهم على القلوب والضمائر.
فالوصايا الربانية من الربانيين وحيا وسواه تحمل مع الشعار الشعور ومع الشعور الشعار ، ومعهما تطبيق الموصي ما به يوصي ، والتضحية في سبيل تحقيق الوصية بكافة المحاولات الممكنة الصالحة.