قسوة في هذه الرسالة الجديدة تجاههم على قوتها وضعفهم ، ثم وهو إحسان بحق الحق فإنه يظهر ويتبلور أكثر مما إذا كانت القسوة عاجلة ، فإمهال الخائن إحسان ما لم يكن فيه إهمال بحق الحق.
إذا فليست الآية منسوخة بأخرى في غير المائدة هي (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) (١) حيث المائدة ناسخة غير منسوخة ، وهم بعد ليسوا بمشركين حتى تشملهم آيتهم هذه.
وقد تعني (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) هؤلاء القلة غير الناقضة للميثاق ، فاعف عن سيئاتهم واصفح؟ ولكن العفو عن السيئة كيفما كانت ليس من شأن الرسول ، اللهم إلّا أن يعني عاملهم معاملة المعفو فإن الله عاف عنهم.
ذلك ، فهذه من سمات اليهود اللعينة التي لا تفارقهم ، لعنة بادية على سيماهم ، بادئة في أولاهم إلى أخراهم ـ إلّا من هدى الله وهم قليل ـ.
لعنة تنضح بها جبلتهم الطريدة من الهوى ، المليئة من الردى ، وقسوة تبدو في ملامحهم الناضبة من بشاشة الرحمة ، المالئة من حشاشة الزحمة ، الناعمة في الملمس عند الكيد والوقيعة.
هذا وقد ذكرت اللعنة بمختلف صيغها كعديد الكراهية (١٣) مرة مما يساعد على المعني من الكراهية أنها هي التي تستجر اللعنة ، خلافا للمصطلح المختلق أن الكراهية هي ما دون الحرمة ، وقد ذكرت كلما ذكرت في موقف غليظ الحرمة تكليفا ، والاستحالة واقعا ، ومن الأولى : (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) (١٧ : ٣٨) والمذكور من ذي قبل هو من أكبر المحرمات وأكبر الواجبات ، ف «سيئه» المكروه هو من المحرمات الكبيرة اللعينة.
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٦٠١ عن تفسير القمي قال منسوخة بقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ...).