من الرسل وطول هجعة من الأمم واعتزام من الفتن وانتشار من الأمور وتلظّ من الحروب ، والدنيا كاسفة النور ، ظاهرة الغرور ، على حين اصفرار من ورقها ، وإياس من ثمرها ، واغورار من ماءها ، قد درست منار الهدى ، وظهرت أعلام الردى ، فهي متجهمة لأهلها ، عابسة في وجه طالبها ، ثمرها الفتنة وطعامها الجيفة ودثارها السيف ..» (١).
«بعثه والناس ضلّال في حيرة وخابطون في فتنة قد استهوتهم الأهواء ، واستنزلتهم الكبرياء ، واستخفتهم الجاهلية الجهلاء ، حيارى في زلزال من الأمر وبلاء من الجهل فبالغ صلى الله عليه وآله في النصيحة ، ومضى على الطريقة ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة(٢).
__________________
(١) نهج البلاغة باب الخطب ص ١٥٦ ـ ١٥٧.
(٢) أقول : وهنا خطب أخرى كالتالية : «إلى أن بعث الله سبحانه محمدا رسول الله (ص) لإنجاز عدته وتمام نبوته ، مأخوذا على النبيين ميثاقه ، مشهورا سماته ، كريما ميلاده ، وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة ، وأهواء منتشرة ، وطرائق متشتتة ، بين مشبّه لله بخلقه ، أو ملحد في السمة ، أو مشير إلى غيره ، فهداهم به من الضلالة ، وأنقذهم بمكانة من الجهالة ...» (الخطبة ١ / ٣٢).
«أرسله بالدين المشهور ، والعلم المأثور ، والكتاب المسطور ، والنور الساطع ، والضياء اللامع ، والأمر الصادع ، إزاحة للشبهات ، واحتجاجا بالبينات ، وتحذيرا بالآيات ، وتخويفا بالمثلات ، والناس في فتن انجذم فيها حبل الدين ، وتزعزعت سواري اليقين ، واختلف النجر ، وتشتت الأمر ، وضاق المخرج ، وعمي المصدر ، فالهدى خامل ، والعمى شامل ، عصي الرحمن ونصر الشيطان ، وخذل الإيمان فأنهارت دعائمه ، وتنكرت معالمه ، ودرست سبله ، وعفت شركه ، أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه ، ووردوا مناهله ، بهم سارت أعلامه وقام لواءه ، في فتن داستهم بأخفافها ، ووطئتهم بأظلافها ، وقامت على سنابكها فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون ، في خير دار وشر جيران ، نومهم سهود ، وكحلهم دموع ، بأرض عالمها ملجم ، وجاهلها مكرم» (٣ : ٣٦) ـ
ان الله بعث محمدا (ص) نذيرا للعالمين ، وأمينا على التنزيل ، وأنتم معشر العرب على شرّ دين وفي شر دار ، منيخون بين حجارة خشن ، وحيات صمّ ، تشربون الكدر وتأكلون الجشب ، وتسفكون دماءكم ، وتقطعون أرحامكم ، الأصنام فيكم منصوبة ، والآثام بكم ـ