ولئن سأل سائل هلا تكون (فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) خلوا عن حجة الرسالة نقضا لبالغ الحجة فإعذارا للمعتذرين وحجة للناس على الله رب العالمين ، فإنهم : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (٤ : ١٦٥) فلا بد من حجة رسولية أو رسالية بين المكلفين لئلا يكون للناس على الله حجة.
والجواب أن (فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) لا تعني خلوا من حجج الرسالات فإن صيغتها «فترة من الرسالات» دون «الرسل» فلا تعني (فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) إلّا فترة من ابتعاث الرسل وحججهم باقية ، مهما صعب الوصول إليها للتحريف والتجديف في كتابات الرسل ، والمؤمنون الصالحون علماء وسواهم يهتدون بهدي الله إلى الوحي الأصيل كيفما كان التحريف.
فما مثل العائشين في (فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) إلا كمثل العائشين بعد خاتم
__________________
ـ معصوبة» (٣٦ ، ٧٣) ـ
«أرسله لإنفاذ أمره وإنهاء عذره وتقديم نذره» (١٨١ ، ١ ، ١٣٦).
«وطال الأبد بهم ليستكملوا الخزي ويستوجبوا الغير ، حتى إذا اخلولق الأجل واستراح قوم إلى الفتن ، وأشالوا عن لقاح حربهم ، لم يمنوا على الله بالصبر ، ولم يستعظموا بذل أنفسهم في الحق ، حتى إذا وافق وارد القضاء انقطاع مدة البلاء ، حملوا بصائرهم على أسيافهم ، ودانوا لربهم بأمر واعظهم» (١٤٨ ، ٢٦٣) ـ
«أرسله بحجة كافية ، وموعظة شافية ، ودعوة متلافية ، أظهر به الشرائع المجهولة ، وقمع به البدع المدخولة ، وبين به الأحكام المفصولة» (١٥٩ ، ٢٨٦) ـ
«بعثه حين لائمكم قائم ، ولا منار ساطع ، ولا منهج واضح» (١٩٤ ، ٣٨٥) ـ
«ثم إن الله سبحانه بعث محمدا (ص) بالحق حين دنى من الدنيا الانقطاع ، وأقبل من الآخرة الاطلاع ، وأظلمت بهجتها بعد إشراق ، وقامت بأهلها على ساق ، وخشن منها مهاد ، وأزف منها قياد ، في انقطاع من مدتها ، واقتراب من أشراطها ، وتصرم من أهلها ، وانفصام من حلقتها ، وانتشار من سببها ، وعفاء من أعلامها ، وتكشف من عورتها ، وقصر من طولها ، جعله الله بلاغا لرسالته ، وكرامة لأمته ، وربيعا لأهل زمانه ، ورفعة لأعوانه ، وشرفا لأنصاره» (١٩٦ ، ٣٩٠).