الرسل (ص) إلى يوم الدين ، والفارق ليس في أصل الحجة المحلّقة على كل الأدوار ، إنما هو في وضوح المحجة للوصول إلى الحجة في الآخرين ، وصعوبتها في الأوّلين وسهولتها في الآخرين.
فالناقد البصير زمن الفترة الرسولية بإمكانه التخلص عن كل دخيل دجيل وإن صعب ، فأفضل الأعمال أحمزها ، ثم المتخلف عن شرعة الله في هذه الفترة ليس ليحاسب كما المتخلف عنها في زمن الرسل أو الرسالة الباهرة بحججها.
ذلك ، فقد كان الطريق للوصول إلى حجة الوحي مفتوحا زمن الفترة للذين يتطرقون إليه ، لا سيما وأن الراسخين في العلم من أهل الكتاب يعلمون الأصيل من وحي الكتاب عن الدخيل : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ..) (٤ : ١٦٢) فالعوام منهم المهتدون المؤمنون عليهم الاقتداء بهؤلاء الراسخين في العلم منهم ، ثم العوام الآخرون مصيرهم مصير هؤلاء الذين يحرفون الكتاب أم هم راضون ، إذا فالحجة الرسالية لم تفتر في زمن الفترة الرسولية ، وإحدى الحجتين كافية لقطع العذر ، ولكن الرحمة تقتضي ألا يكتفى في الحجة البالغة بما هي غارقة في لجة التحريف ، فلينزل بعد هذه المحرفات كتاب يبقى وحيا أصيلا دون أي دخيل ، منارا للعالمين إلى يوم الدين.
ذلك ، وبصورة عامة إن سيرة الرسالة سائرة على مدار زمن التكليف دونما تجاف عنها وان لحظة واحدة ، فقد «اصطفى سبحانه من ولد آدم أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم ، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم ، لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم ، فجهلوا حقه ، واتخذوا الأنداد معه ، واجتالتهم الشياطين عن معرفته ، واقتطعتهم عن عبادته ، فبعث فيهم رسله ، وواتر إليهم أنبياءه ، ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكروهم منسي نعمته ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول ، ويروهم الآيات المقدرة ، من سقف فوقهم مرفوع ، ومهاد تحتهم موضوع ، ومعايش تحييهم ، وآجال تفنيهم ،