بالله ـ واقعة ، ولضل المكلفون عن بكرتهم إلّا القليل القليل من الأوحدي ذوي البصائر والنّهى.
(فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) وذلك البشير النذير الأخير هو المهيمن بكتابه على كل بشير سالف ونذير بكتاباتهم ، لولاه لانفصمت أعلام الهدى عن بكرتها وانطمست.
(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومن أهم الأشياء التي تحتاج إلى قمة عالية من القدرة ابتعاث رسول يقطع كافة الأعذار في كافة الحقول لكافة الأمم عن بكرتها ، إذ خلصهم بأسرهم عن أسرهم.
وهنا (أَنْ تَقُولُوا) لا تخاطب ـ فقط ـ أهل الكتاب ، بل وبأحرى غيرهم من عامة المكلفين ، فلولا ذلك البشير النذير الأخير لقضي على بشارة الوحي ونذارته عن بكرتها ، حيث الكتب السالفة محرّفة فلا تصلح لدعوة صالحة ، فليس لمتحري الحق أن يتحراه عن سابقه ، ولا حاضره ، ثم المكلفون منذ الفترة إلى يوم الدين تبقى لهم هذه الحجة العاذرة ثابتة صادقة : «ما جاءنا من نذير».
ذلك وكما أن هذه الرسالة بين العرب تقطع أعذارهم : (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ. وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) (٦ : ١٥٤ ـ ١٥٧).
فهذه الرسالة السامية هي قاطعة الأعذار في الطول التاريخي والعرض الجغرافي.